فصل: فصل هذا إذا تلفت قبل كمال صلاحها ووقت جدادها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: جامع الرسائل **


  فصل والأصل في أن تلف المبيع والمستأجر قبل التمكن من قبضه ينفسخ به العقد

والأصل في أن تلف المبيع والمستأجر قبل التمكن من قبضه ينفسخ به العقد من السنة ما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لو بعث من أخيك تمراً فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً بم تأخذ مال أخيك بغير حق ‏"‏ وفي رواية ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح ‏"‏‏.‏

فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح أنه إذا باع ثمراً فأصابته جائحة فلا يحل له أن يأخذ منه شيئاً ثم بين سبب ذلك وعلته فقال ‏"‏ بم تأخذ مال أخيك بغير حق ‏"‏ وهذا دلالة على ما ذكره الله في كتابه من تحريم أكل المال بالباطل وأنه إذا تلف المبيع قبل التمكن من قبضه كان أخذ شيء من الثمن أخذ ماله بغير حق بل بالباطل وقد حرم الله أكل المال بالباطل لأنه من الظلم المخالف للقسط الذي تقوم به السماء والأرض‏.‏

وهذا الحديث أصل في هذا الباب‏.‏

والعلماء وإن تنازعوا في حكم هذا الحديث كما سنذكره واتفقوا على أن تلف المبيع قبل التمكن من القبض يبطل العقد ويحرم أخذ الثمن فلست أعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً صحيحاً صريحاً في هذه القاعدة وهي ‏)‏إن تلف المبيع قبل التمكن من القبض يبطل العقد‏(‏ غير هذا الحديث‏.‏

وهذا له نظائر متعددة قد ينص النبي صلى الله عليه وسلم نصاً يوجب قاعدة ويخفي النص على بعض العلماء حتى يوافقوا غيرهم على بعض أحكام تلك القاعدة ويتنازعوا فيما لم يبلغهم فيه النص‏.‏

مثل اتفاقهم على المضاربة ومنازعتهم في المساقاة والمزارعة وهما ثابتان بالنص والمضارية ليس فيها نص وإنما فيها عمل الصحابة رضي الله عنهم‏.‏

ولهذا كان فقهاء الحديث يؤصلون أصلاً بالنص ويفرعون عليه لا ينازعون في الأصل المنصوص ويوافقون فيما لا نص فيه ويتولد من ذلك ظهور الحكم المجمع عليه لهيبة الاتفاق في القلوب وأنه ليس لأحد خلافه‏.‏

وتوقف بعض الناس في الحكم المنصوص‏.‏

وقد يكون حكمه أقوى من المتفق عليه‏.‏

وإن خفي مدركه على بعض العلماء فليس ذلك بمانع من قوته في نفس الأمر حتى يقطع به من ظهر له مدركه‏.‏

ووضع الجوائح من هذا الباب فإنها ثابتة بالنص وبالعمل القديم الذي لم يعلم فيه مخالف من الصحابة والتابعين وبالقياس الجلي والقواعد المقررة بل عند التأمل الصحيح ليس في العلماء من يخالف هذا الحديث على التحقيق‏.‏

وذلك أن القول به هو مذهب أهل المدينة قديماً وحديثاً وعليه العمل عندهم من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زمن مالك وغيره وهو مشهور عن علمائهم كالقاسم ابن محمد ويحيى بن سعيد القاضي ومالك وأصحابه وهو مذهب فقهاء الحديث كالإمام أحمد وأصحابه وأبي عبيد والشافعي في قوله القديم‏.‏

وأما في القول الجديد فإنه علق القول به على ثبوته لأنه لم يعلم صحته فقال رضي الله عنه‏:‏ لم يثبت عندي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح ولو ثبت لم أعده ولو كنت قائلاً بوضعها لوضعتها في القليل والكثير‏.‏

فقد أخبر أنه إنما لم يجزم به لأنه لم يعلم صحته‏.‏

وعلق القول به على ثبوته فقال‏:‏ لو ثبت لم أعده‏.‏

والحديث ثابت عند أهل الحديث لم يقدح فيه أحد من علماء الحديث بل صححوه ورووه في الصحاح والسنن رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه والإمام أحمد‏.‏

فظهر وجوب القول به على أصل الشافعي أصلاً‏.‏

وأما أبو حنيفة فإنه لا يتصور الخلاف معه في هذا الأصل على الحقيقة لأن من أصله‏:‏ أنه لا يفرق بين ما قبل بدو الصلاح وبعده ومطلق العقد عنده وجوب القطع في الحال ولو شرط التبقية بعد بدو الصلاح لم يصح عنده بناء على ما رآه من أن العقد موجب التقابض في الحال فلا يجوز تأخيره لأنه شرط يخالف مقتضى العقد فإذا تلف الثمر عنده بعد البيع والتخلية فقد تلف بعد وجوب قطعه كما لو تلف عند غيره بعد كمال إصلاحه وطرد أصله في الإجارة فعنده لا يملك المنافع فيها إلا بالقبض شيئاً فشيئاً لا تملك بمجرد العقد وقبض العين ولهذا يفسخها بالموت وغيره‏.‏

ومعلوم أن الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم متواترة في التفريق بين ما بعد بدو الصلاح وقبل بدوها كما عليه جماهير العلماء حيث نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها وذلك ثابت في الصحاح من حديث ابن عمر وابن عباس وجابر وأنس وأبي هريرة فلو كان أبو حنيفة ممن يقول ببيع الثمار بعد بدو صلاحها مبقاة إلى كمال الصلاح ظهر النزاع معه‏.‏

والذين ينازعون في وضع الجوائح لا ينازعون في أن المبيع إذا تلف قبل التمكن من القبض يكون من ضمان البائع بل الشافعي أشد الناس في ذلك قولاً فإنه يقول‏:‏ إذا تلف قبل القبض كان من ضمان البائع في كل مبيع ويطرد ذلك في غير البيع وأبو حنيفة يقول به في كل منقول‏.‏

ومالك وأحمد القائلان بوضع الجوائج يفرقان بين ما أمكن قبضه كالعين الحاضرة وما لم يمكن قبضه لما روى البخاري من رواية الزهري عن سالم عن ابن عمر قال‏:‏ مضت السنة إن ما أدركته الصقعة حباً مجموعاً فهو من مال المشتري‏.‏

وإما النزاع في أن تلف الثمر قبل كمال صلاحه تلف قبل التمكن من القبض أم لا فإنهم يقولون هذا تلف بعد قبضه لأن قبضه حصل بالتخلية بين المشتري وبينه فإن هذا قبض العقار وما يتصل به بالاتفاق ولأن المشتري يجوز تصرفه فيه بالبيع وغيره وجواز التصرف يدل على حصول القبض لأن التصرف في المبيع قبل القبض لا يجوز فهذا سر قولهم‏.‏

وقد احتجوا بظاهر من أحاديث معتضدين بها مثل ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي سعيد قال‏:‏ أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ تصدقوا عليه ‏"‏ فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه ‏"‏ خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك ‏"‏ ومثل ما روي في الصحيحين أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ إن ابني اشترى ثمرة من فلان فأذهبتها الجائحة فسأله أن يضع عنه فتألى أن لا يفعل فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ تألى أن لا يفعل خيراً ‏"‏‏.‏

ولا دلالة في واحد من الحديثين أما الأول فكلام مجمل فإنه حكى أن رجلاً اشترى ثماراً فكثرت ديونه فيمكن أن السعر كان رخيصاً فكثر دينه لذلك ويحتمل أنها تلفت أو بعضها بعد كمال الصلاح أو حوزها إلى الجرين أو إلى البيت أو السوق ويحتمل أن يكون هذا قبل نهيه أن تباع الثمار قبل بدو صلاحها‏.‏

ولو فرض أن هذا كان مخالفاً لكان منسوخاً لأنه باق على حكم الأصل وذاك ناقل عنه وفيه سنة جديدة فلو خولفت لوقع التغيير مرتين وأما الحديث الثاني فليس فيه إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ تألى أن لا يفعل خيراً ‏"‏ والخير قد يكون واجباً وقد يكون مستحباً ولم يحكم عليه لعدم مطالبة الخصم وحضور البينة أو الإقرار ولعل التلف كان بعد كمال الصلاح‏.‏

وقد اعترض بعضهم على حديث الجوائح بأنه مجمول على بيع الثمر قبل بدو صلاحه كما في أحدها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ إذا بعت من أخيك ثمرة فأصابتها جائحة ‏"‏ والبيع المطلق لا ينصرف إلا إلى البيع الصحيح‏.‏

والثاني أنه أطلع بيع الثمرة ولم يقل قبل بدو صلاحها فأما تقييده ببيعها قبل بدوصلاحها فلا وجه له‏.‏

الثالث أنه قيد ذلك بحال الجائحة وبيع الثمر قبل بدو صلاحها لا يجب فيه ثمن بحال‏.‏

الرابع أن المقبوض بالعقد الفاسد مضمون فلو كان الثمر على الشجر مقبوضاً لوجب أن يكون مضموناً على المشتري في العقد الفاسد‏.‏

وهذا الوجه يوجب أن يحتج بحديث أنس على وضع الجوائح في البيع الصحيح‏.‏

كما توضع في البيع الفاسد لأن ما ضمن في الصحيح ضمن في الفاسد وما لا يضمن في الصحيح لا يضمن في الفاسد‏.‏

وأما قولهم‏:‏ إنه تلف بعض القبض فممنوع بل نقول ذلك تلف قبل تمام القبض وكماله بل وقبل التمكن من القبض لأن البائع عليه تمام التربية من سقي الثمر حتى لو ترك ذلك لكان مفرطاً ولو فرض أن البائع فعل ما يقدر عليه من التخلية فالمشتري إنما عليه أن يقبضه على الوجه المعروف المعتاد‏.‏

فقد وجد التسليم دون تمام التسلم‏.‏

وذلك أحد طرفي القبض‏.‏

ولم يقدر المشتري إلا على ذلك‏.‏

وإنما على المشتري أن يقبض المبيع على الوجه المعروف المعتاد الذي ونحن نطرد هذا الأصل في جميع العقود فليس من شرط القبض أن يستعقب العقد بل القبض يجب وقوعه على حسب ما اقتضاه العقد لفظاً وعرفاً ولهذا يجوز استثناء بعض منفعة المبيع مدة معينة وإن تأخر بها القبض على الصحيح كما يجوز بيع العين المؤجرة ويجوز بيع الشجر واستثناء ثمره للبائع وإن تأخر معه كمال القبض‏.‏

ويجوز عقد الإجارة لمدة لا تلي العقد‏.‏

وسر ذلك أن القبض هو موجب العقد فيجب في ذلك ما أوجبه العاقدان يحسب قصدهما الذي يظهر بلفظهما وعرفهما‏.‏

ولهذا قلنا أن شرطا تعجيل القطع جاز إذا لم يكن فيه فساد يحظره الشرع فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً وحرم حلالاً وإن أطلقا فالعرف تأخير الجداد والحصاد إلى كمال الصلاح‏.‏

وأما استدلالهم بأن القبض هو التخلية فالقبض مرجعه إلى عرف الناس حيث لم يكن له حد في اللغة ولا في الشرع‏.‏

وقبض ثمر الشجر لا بد فيه من الخدمة والتخلية المستمرة إلى كمال الصلاح بخلاف قبض مجرد الأصول وتخلية كل شيء بحسبه ودليل ذلك المنافع في العين المؤجرة‏.‏

وأما استدلالهم بجواز التصرف فيه بالبيع فعن أحمد في هذه المسألة روايتان‏:‏ ‏)‏أحدهما‏(‏ لا يجوز بيعه ما دام مضموناً على البائع لأن بيع ما لم يقبض فلا يجوز وعلى هذا يمنع الحكم في الأصل ‏)‏والرواية الثانية‏(‏ يجوز التصرف وعلى هذه الرواية فذلك بمنزلة منافع الإجارة بأنها لو تلفت قبل الاستيفاء كانت من ضمان المؤجر بالاتفاق ومع هذا فيجوز التصرف فيها قبل القبض وذلك لأنه في الموضعين حصل الإقباض الممكن فجاز التصرف باعتبار التمكن ولم يدخل في الضمان لانتفاء كماله وتمامه الذي به يقدر المشتري والمستأجر على الاستيفاء وعلى هذا فعندنا لا ملازمة بين جواز التصرف والضمان بل يجوز التصرف بلا ضمان كما هنا وقد يحصل الضمان بلا جواز تصرف كما في المقبوض قبضاً فاسداً كما لو اشترى قفيزاً من صبرة فقبض الصبرة كلها وكما في الصبرة قبل نقلها على إحدى الروايتين‏.‏

اختارها الخرقي‏.‏

وقد يحصلان جميعاً وقد لا يحصلان جميعاً‏.‏

ولنا في جواز إيجار العين المؤجرة بأكثر من أجرتها روايتان لما في ذلك من ربح ما لم يضمن ورواية ثالثة‏:‏ إن زاد فيها عمارة جازت زيادة الأجرة فتكون الزيادة في مقابلة الزيادة‏.‏

فالروايتان في بيع الثمار المشتراة نظير الروايتين في إيجار العين المؤجرة ولو قيل في الثمار إنما يمنع من الزيادة على الثمن كرواية المنع في الإجارة لتوجه ذلك‏.‏

وبهذا الكلام يظهر المعنى في المسئلة وإن ذلك تلف قبل التمكن من القبض المقصود بالعقد فيكون مضموناً على البائع كتلف المنافع قبل التمكن من قبضها‏.‏

وذلك لأن التخلية ليست مقصودة لذاتها وإنما مقصودها تمكن المشتري من قبض المبيع والثمر على الشجر ليس بمحرز ولا مقبوض ولهذا لا قطع فيه ولا المقصود بالعقد كونه على الشجر‏.‏

وإنما المقصود حصاده وجداده ولهذا وجب على البائع ما به يتمكن من جداده وسقيه والأجزاء الحادثة بعد البيع داخلة فيه وإن كانت معدومة كما تدخل المنافع في الإجارة وإن كانت معدومة فكيف يكون المعدوم مقبوضاً قبضاً مستقراً موجباً لانتقال الضمان

  فصل وعلى هذا الأصل تتفرع المسائل فالجائحة هي الآفات السماوية

وعلى هذا الأصل تتفرع المسائل فالجائحة هي الآفات السماوية التي لا يمكن معها تضمين أحد مثل الريح والبرد والحر والمطر والجليد والصاعقة ونحو ذلك كما لو تلف بها غير هذا المبيع‏.‏

فإن أتلفها آدمي يمكن تضمينه أو غصبها غاصب فقال أصحابنا كالقاضي وغيره‏:‏ هي بمنزل إتلاف المبيع قبل التمكن من قبضه يخير المشتري بين الإمضاء والفسخ كما تقدم وإن أتلفها من الآدميين من لا يمكن ضمانه كالجيوش التي تنهبها واللصوص الذين يخربونها فخرجوا فيه وجهين ‏)‏أحدهما‏(‏ ليست جائحة لأنها من فعل آدمي ‏)‏والثاني‏(‏ وهو قياس أصول المذهب أنها جائحة وهو مذهب مالك كما قلنا مثل ذلك في منافع الإجارة لأن المأخذ إنما هو إمكان الضمان ولهذا لو كان المتلف جيوش الكفار أو أهل الحرب كان ذلك كالآفة السماوية والجيوش واللصوص وإن فعلوا ذلك ظلماً ولم يكن تضمينهم فهم بمنزلة البرد في المعنى ولو كانت الجائحة قد عيبته ولم تتلفه فهو كالعيب الحادث قبل التمكن من القبض وهو كالعيب القديم يملك به الفسخ أو الأرض حيث يقول به وإذا كان ذلك بمنزلة تلف المبيع قبل التمكن من قبضه فلا فرق بين قليل الجائحة وكثيرها في أشهر الروايتين وهي قول الشافعي وأبي عبيدة وغيرهما من فقهاء الحديث لعموم الحديث والمعنى ‏)‏والثانية‏(‏ أن الجائحة الثلث فما زاد كقول مالك لأنه لا بد من تلف بعض الثمر في العادة فيحتاج إلى تقدير الجائحة فتقدر بالثلث كما قدر به الوصية والنذر ومواضع في الجراح وغير ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ الثلث والثلث كثير ‏"‏ وعلى الرواية الأولى يقال الفرق مرجعه إلى العادة فما جرت العادة بسقوطه أو أكل الطير أو غيره له فهو مشروط في العقد والجائحة ما زاد على ذلك وإذا زادت على العادة وضعت جميعهاً وكذلك إذا زادت على الثلث وقلنا بتقديره بأنها توضع جميعها وهل الثلث مقدر بثلث القيمة أو ثلث المقدار على وجهين وهما قولان في مذهب مالك‏.‏

  فصل والجوائح موضوعة في جميع الشجر

والجوائح موضوعة في جميع الشجر عند أصحابنا وهو مذهب مالك‏.‏

وقد نقل عن أحمد أنه قال‏:‏ إنما الجوائح في النخل وقد تأوله القاضي على أنه أراد إخراج الزرع والخضر من ذلك ويمكن أنه أراد أن لفظ الجوائح الذي جاء به الحديث هو في الخل وباقي الشجر ثابتة بالقياس لا بالنص فإن شجر المدينة كان النخل‏.‏

وأما الجوائح فيما يبتاع من الزرع ففيه وجهان ذكرهما القاضي وغيره ‏)‏أحدهما‏(‏ لا جائحة فيها قال القاضي‏:‏ وهذا أشبه لأنها لا تباع إلا بعد تكامل صلاحها وأوان جدادها بخلاف الثمرة فإن بيعها جائز بمجرد بدو الصلاح ومدته تطول‏.‏

وعلى هذا الوجه حمل القاضي كلام أحمد‏:‏ إنما الجوائح في النخل - يعني لما كان ببغداد - وقد سئل عن جوائح الزرع فقال‏:‏ إنما الجوائح في النخل‏.‏

وكذلك مذهب مالك أنه لا جائحة في الثمرة إذا يبست والزرع لا جائحة فيه كذلك لأنه إنما يباع يابساً وهذا قول من لا يضع الجوائح في الثمر كأبي حنيفة والشافعي في القول الجديد المعلق‏.‏

والوجه الثاني فيها الجائحة كالثمرة‏.‏

وهذا هو الذي قطع به غير واحد من أصحابنا كأبي محمد لم يذكروا فيه خلافاً ولم يفرقوا بين ذلك وبين الثمرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود وبيع الحب حتى يشتد فبيع هذا بعد اسوداده كبيع هذا بعد اشتداده‏.‏

ومن حين يشتد إلى حين يستحصد مدة قد تصيبه فيها جائحة‏.‏

ومن أصحابنا من قال‏:‏ ما تكرر حمله كالقثاء والخيار ونحوهما من الخضر والبقول وغيرهما فهو كالشجر وثمره كثمره في ذلك لصحة بيع أصوله صغاراً كانت أو كباراً مثمرة أو غير مثمرة‏.‏

  فصل هذا إذا تلفت قبل كمال صلاحها ووقت جدادها

هذا إذا تلفت قبل كمال صلاحها ووقت جدادها فإن تركها إلى حين الجداد فتلفت حينئذ فكذلك عند أصحابنا‏.‏

ونقل عن مالك أنها تكون من ضمان المشتري‏.‏

وللشافعي قولان وذلك لأنه لم يبق على البائع شيء من التسليم والمشتري لم يحصل منه تفريط لا خاص ولا عام فإن تأخيرها إلى هذا الحين من موجب العقد‏.‏

فأصحابنا راعوا عدم تمكن المشتري وعدم تفريطه والمنازع راعى تسليم البائع وتمكينه‏.‏

وأما إن تركها حتى يجاوز نقلها وتكامل بلوغها ثم تلفت ففياه لأصحابنا ثلاثة أوجه ‏)‏أحدها‏(‏ أن يكون من ضمان البائع أيضاً لعدم كمال قبض المشتري وهو الذي قطع به القاضي في المجرد وابن عقيل وأكثر الأصحاب وهو مذهب مالك والشافعي لكن القاضي في المجرد علله بما إذا لم يكن له عذر دون ما إذا عاقه مرضه أو مانع وأما غيره فذهبوا إلى الوجه الثالث وهو عدم اعتبار إمكان الرفع والجد‏.‏

قال ابن عقيل‏:‏ هذا هو الذي يقتضيه مذهبنا وهو كما قال فإن هذه الثمرة بمنزلة المنفعة في الإجارة‏.‏

ولو حال بين المستأجر الحائل وبينها حائل يخصه مثل مرضه ونحوه لم تسقط عنه الأجرة بخلاف الحائل العالم فإنه يسقط أجرة ما ذهب به من المنفعة‏.‏

 فصل هذا إذا اشترى الثمرة والزرع

هذا إذا اشترى الثمرة والزرع فإن اشترى الأصل بعد ظهور الثمر أو قبل التأبير واشترط الثمر فلا جائحة في ذلك عند أصحابنا ومالك وغيرهما‏.‏

ولذلك احترز الخرقي من هذه الصورة فقال‏:‏ وإذا اشترى الثمرة دون الأصل فتلفت بجائحة من السماء رجع بها على البائع وذلك لأنه هنا حصل القبض الكامل بقبض الأصل ولهذا لا يجب على البائع سقي ولا مؤونة أصلاً فإن المبيع عقار والعقار قبض بالتخلية والثمر دخل ضمناً وتبعاً فإذا جاز بيعه قبل صلاحه جاز هنا تبعاً ولو بيع مقصوداً لم يجز بيعه قبل صلاحه‏.‏

  فصل هذا الكلام في البيع المحض للثمر والزرع

هذا الكلام في البيع المحض للثمر والزرع وأما الضمان والقبالة وهو أن يضمن الأرض والشجر جميعاً بعوض واحد لمن يقوم على الشجر والأرض ويكون الثمر والزرع له فهذا العقد فيه ثلاثة أقوال‏.‏

أحدها أنه باطل وهذا القول منصوص عن أحمد وهو قول أبي حنيفة والشافعي بناء على أن في ذلك تبعاً للثمر قبل بدو صلاحه ‏)‏والثاني‏(‏ يجوز إذا كانت الأرض هي المقصودة والشجر تابع لها بأن يكون شجراً قليلاً وهذا قول مالك ‏)‏والثالث‏(‏ حواز ذلك مطلقاً قاله طائفة من أصحابنا وغيرهم منهم ابن عقيل وهذا هو الصواب لأن إجارة الأرض جائزة ولا يمكن ذلك إلا بإدخال الشجر في العقد فجاز للحاجة تبعاً وإن كان في ذلك بيع ثمر قبل بدو صلاحه إذا بيع مع الأصل ولأن ذلك ليس ببيع للثمر‏.‏

لأن الضامن هنا هو الذي يسقي الشجر ويزرع الأرض فهو في الشجر بمنزلة المستأجر في الأرض والمبتاع للثمر بمنزلة المشتري للزرع فلا يصح إلحاق أحدهما بالآخر ولأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل حديقة أسيد بن الحضير ثلاث سنين بعد موته وأخذ القبالة فوفى بها دينه‏.‏

رواه حرب الكرماني في مسائله وأبو زرعة لدمشقي في تاريخه بإسناد صحيح ولأن عمر بن الخطاب ضرب الخراج باتفاق الصحابة على الأرض التي فيها شجر نخل وعنب وجعل للأرض قسطاً وللشجر قسطاً وذلك إجارة عند أكثر من ينازعنا في هذه المسئلة وهو ضمان لأرض وشجر‏.‏

وقد بسطت الكلام في هذه المسئلة في القواعد الفقهية‏.‏

والغرض هنا مسئلة وضع الجوائح فإذا قلنا لا يصح هذا العقد فكيف الطريق في المعاملة قيل أنه يؤجر الأرض ويساقي على الشجر ‏)‏والزرع‏(‏ منها وهذا قول طائفة من أصحاب الشافعي وغيرهم وهو قول القاضي أبي يعلى في كتاب إبطال الحيل والمنصوص عن أحمد إبطال هذه الحيلة وهو الصواب كما قررنا في كتاب إبطال الحيل فساد ذلك من وجوه كثيرة ‏)‏منها‏(‏ أنه إن جعل أحد العقدين شرطاً في الآخر لم يصح وإن عقدهما عقدين مفردين لم تجز له هذه المحاباة في مال موليه كالوقف ومال اليتيم ونحوهما ولا مال موكله الغائب ونحوه‏.‏

ومنها أنه قد علم أن إعطاء العوض العظيم من الضامن لم يكن لأجل منفعة الأرض التي قد لا تساوي عشر العوض وإنما هو لأجل الثمرة وكذلك المالك قد علم أنه لم يشترط لنفسه من الثمرة شيئاً وهو لا يطالب بذلك القدر النذر الذي لا قيمة له وإنما جعل الثمرة جميعها للضامن‏.‏

وفي الجملة فهذا العقد إما أن يصح على الوجه المعروف بين الناس وإما أن لا يصح بحال لكن الثاني فيه فساد عظيم لا تحتمله الشريعة فتعين الأول‏.‏

وأما هذه الحيلة فيعرف بطلانها بأدنى نظر‏.‏

فعلى هذا إذا حصلت جائحة في هذا الضمان فإن قلنا‏:‏ العقد فاسد فيكون قد اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها وقد خلي بينه وبينها وتلفت قبل كمال الصلاح أو لم تطلع‏.‏

وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه لقوله ‏"‏ أرأيت أن منع الله الثمرة ‏"‏ أو قال ‏"‏ أرأيت إن لم يثمرها الله فبم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق ‏"‏ وإذا أصابتها جائحة منعت كمال صلاحها وأفسدتها فقد منع الله الثمرة فيجب أن لا يأخذ مال أخيه بغير حق‏.‏

ومن قال أن الثمرة تضمن بالقبض في العقد الصحيح فيلزمه أن يقول أنها تضمن بالقبض في العقد الفاسد فإذا تلفت هنا يكون من ضمانه لأن المقبوض بالعقد الفاسد مضمون على المشتري لكن يجب أن يضمنوا قيمتها حين تلفت وقد يكون تلفها في أوائل ظهورها وقيمتها قليلة وقد يكون بعد بدو صلاحها وهذا مما يلزمهم فيه إلزاماً قوياً وهو أنه إذا اشتراها بعد بدو صلاحها مستحقة التبقية فكثير من أجزائها وصفاتها لم يخلق بعد فإذا تلفت بجائحة ولم نضع عنه الجائحة فيجب أن لا يضمن إلا ما قبضه دون ما لم يخلق بعد ولم يقبضه فيجب أن ينظر قيمتها حين أصابتها الجائحة فينسب ذلك إلى قيمتها وقت بدو الصلاح فيضمن من الثمن بقدر ذلك بمنزلة من قبض بعض المبيع وبعض منفعة الإجارة دون بعض فإنه يضمن ما قبضه دون ما لم يقبضه بعد‏.‏

فأما أن يجعل الأجزاء والصفات المعدومة التي لم تخلق بعد من ضمانه وهي لم توجد فهذا خلاف أصول الإسلام وهو ظلم بين لا وجه له ومن قاله فعليه أن يقول أنه إذا اشترى الثمرة قبل بدو صلاحها وقبض أصلها ولم يخلق منها شيء لآفة منعت الطلع أن يضمن الثمن جميعه للبائع وهذا خلاف النص والإجماع ويلزمه أن يقول أنه لو بدا صلاحها في العقد الفاسد وتلفت بآفة سماوية أن يضمن جميع الثمرة كما يضمنها عنده بالعقد الصحيح فإن ما ضمن بالقبض في أحدهما ضمن بالقبض في الآخر إلا أنه يضمن هنا بالمسمى وهناك بالبدل‏.‏

وهذه حجة قوية لا محيص عنها فإنه إن جعل ما لم يخلق من الأجزاء مقبوضاً لزمه أن يضمن في العقد الفاسد وإن جعله غير مقبوض لزمه أن لا يضمن في العقد الصحيح‏.‏

والأول باطل قطعاً مخالف للنص والإجماع‏.‏

ومن قال من الكوفيين أن المعقود عليه هو ما وجد فقط وهو المقبوض فقد سلم من هذا التناقض لكن لزمه مخالفة النصوص المستفيضة ومخالفة عمل المسلمين قديماً وحديثاً ومخالفة الأصول المستقرة ومخالفة العدل الذي به تقوم السماء والأرض كما هو مقرر في موضعه‏.‏

وهذا كالحجج القاطعة على وجوب وضع الجوائح في العقود الصحيحة والفاسدة ووضعها في العقد الفاسد أقوى وأما إذا جعلنا الضمان صحيحاً فإنا نقول بوضع الجوائح فيه كما نقوله في الشراء وأولى أيضاً وأما من يصحح هذه الحيلة ويرى العقد صحيحاً فقد نقول أنت مساق والمساقاة ليس فيها جائحة فيبني هذا على وضع الجوائح في المساقاة‏.‏